منذ بداية الحرب السورية في عام 2011، تعيش البلاد حالة من التوترات السياسية والعسكرية التي أدت إلى تدهور شامل في الأوضاع الداخلية. وبينما يستمر الصراع على الأرض، تبرز أسئلة حاسمة حول المستقبل السياسي لسوريا، وأبرزها: هل ستُقسم سوريا إلى فيديراليات؟
الفيدرالية: مفهوم وحل سياسي؟
الفيدرالية هي نظام سياسي يعترف بوجود عدة كيانات إدارية، لكن تحت مظلة دولة واحدة. في هذا النظام، تتمتع الكيانات المكونة بالدولة بقدر من الاستقلالية في اتخاذ قراراتها الداخلية، مع وجود حكومة مركزية تدير السياسة الخارجية والدفاع، وبعض القضايا الأخرى. قد تكون الفيدرالية حلاً لتقاسم السلطة بين مكونات متعددة، ويُنظر إليها في بعض الأحيان كحل للتنوع الإثني أو الطائفي.
في سوريا، يتنوع السكان على أسس طائفية، عرقية، وجغرافية. فهناك السنة، العلويون، الأكراد، المسيحيون، والدروز، بالإضافة إلى الاختلافات بين الريف والمدينة. ولذلك، قد يُعتبر النظام الفيدرالي وسيلة لتلبية مطالب هذه المكونات بإعطائهم مساحة أكبر من الحكم الذاتي.
الواقع الميداني والتحديات السياسية
على الأرض، يشهد الوضع السوري انقسامًا فعليًا بين عدة مناطق تسيطر عليها قوى مختلفة. القوات الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، تسيطر على جزء من شمال شرق البلاد تحت اسم “الإدارة الذاتية”. في المقابل، هناك مناطق تحت سيطرة الحكومة السورية التي تهيمن عليها قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران. كما أن هناك مناطق تحت سيطرة المعارضة المسلحة. هذه التباينات قد تكون نواة لنظام فيدرالي في حال توافق الأطراف المعنية على ذلك.
لكن التحديات التي قد تواجه تقسيم سوريا إلى فيديراليات عديدة. أولًا، يرفض النظام السوري بقيادة بشار الأسد أي شكل من أشكال الفيدرالية لأنه يعتبر ذلك تهديدًا للوحدة الوطنية. كما أن روسيا وإيران، اللتان تدعمان النظام، لن تفضلا فكرة تقسيم سوريا أو تمكين الأكراد من الحكم الذاتي.
من جهة أخرى، لا يُظهر العديد من السوريين رغبة في تقسيم بلدهم إلى مناطق ذات حكم ذاتي، خاصة أن هذا قد يعمق الانقسامات الطائفية والعرقية. هناك خوف من أن يؤدي النظام الفيدرالي إلى تعميق التوترات بين المكونات المختلفة، ويزيد من صعوبة الوصول إلى حل سياسي شامل.
الرؤية المستقبلية: هل الحل الفيدرالي ممكن؟
من خلال مراقبة الوضع الحالي على الأرض، يمكن القول إن الفيدرالية ليست الحل السهل، لكنها ليست مستحيلة. قد يتطلب ذلك تحولًا جذريًا في المواقف الإقليمية والدولية. إذا نجحت القوى الدولية في التوصل إلى تسوية سلمية، قد يطرأ نوع من إعادة هيكلة البلاد على شكل فيدرالي. لكن هذا يحتاج إلى توافق واسع النطاق من جميع الأطراف المعنية: الحكومة السورية، الأكراد، القوى العربية، بالإضافة إلى دعم المجتمع الدولي.
وفي رأيي، تقسيم سوريا إلى فيديراليات قد يكون حلاً مؤقتًا في حال فشل المحاولات الأخرى للوصول إلى تسوية شاملة. لكن يجب أن يكون هذا الحل مرهونًا بتوافق حقيقي بين مختلف المكونات السورية وبشروط تضمن عدم تعميق الانقسامات العرقية والطائفية. في النهاية، يبقى الحل الأمثل لسوريا هو تحقيق سلام شامل يستند إلى وحدة وطنية حقيقية، بحيث يُسمح لكل مكون أن يعبر عن هويته الثقافية والسياسية دون التسبب في تفتيت البلد أكثر مما هو عليه الآن.