الذكاء الاصطناعي (AI) هو إحدى أعظم الاختراعات التكنولوجية في العصر الحديث، وقد أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. لكن على الرغم من جميع التطورات التي شهدناها في هذا المجال، هناك شيء يثير القلق: البشر لا يعرفون تمامًا كيف يعمل الذكاء الاصطناعي.
تُستخدم الخوارزميات المتطورة لتدريب وتوجيه الأنظمة الذكية، مما يجعلها قادرة على اتخاذ قرارات وتنفيذ مهام بشكل يتفوق أحيانًا على القدرات البشرية. ومع ذلك، في العديد من الحالات، تصبح عمليات اتخاذ القرار الخاصة بالذكاء الاصطناعي غامضة للغاية. نسمع عن “الصناديق السوداء” التي تشير إلى الأنظمة التي يمكنها الوصول إلى قرارات غير مفهومة تمامًا من قبل البشر، حيث قد تكون الأسباب التي تجعل الذكاء الاصطناعي يتخذ قرارًا معينًا غير واضحة أو معقدة جدًا لتفسيرها.
لماذا يصعب فهم الذكاء الاصطناعي؟
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل البشر لا يفهمون تمامًا كيف يعمل الذكاء الاصطناعي هو طبيعة “التعلم العميق” (Deep Learning). هذه التقنية تعتمد على شبكات عصبية اصطناعية معقدة تحاكي طريقة عمل الدماغ البشري. ومع كل طبقة إضافية في الشبكة العصبية، تصبح الآلية التي تتخذ بها الخوارزميات قراراتها أكثر تعقيدًا. بمعنى آخر، كلما ازداد حجم البيانات والطبقات التي يتعامل معها الذكاء الاصطناعي، كلما كان من الصعب تفسير كيفية معالجتها وتفسيرها.
“أب الذكاء الاصطناعي” يحذر من تطور التكنولوجيا
في حديثه عن الذكاء الاصطناعي، عبّر جيفري هينتون، الذي يُعتبر “أب الذكاء الاصطناعي” أو “Godfather of AI”، عن قلقه العميق بشأن تطور هذه التكنولوجيا. هينتون، الذي كان له دور محوري في تطوير الخوارزميات الأساسية للتعلم العميق، أشار إلى أنه أصبح “خائفًا” من الاتجاه الذي تسير فيه هذه التكنولوجيا. وأوضح أنه بينما كان متحمسًا للتقدم في هذا المجال في بداياته، أصبح الآن يشعر بقلق متزايد بشأن السرعة التي يتطور بها الذكاء الاصطناعي وغياب القدرة على مراقبته بشكل كامل.
يعتقد هينتون أن الذكاء الاصطناعي قد يتطور بشكل أسرع مما نتوقع، مما قد يؤدي إلى “أشياء قد لا نفهمها بالكامل”، ويشمل ذلك قدرة الأنظمة على اتخاذ قرارات مستقلة بناءً على بيانات قد تكون خارجة عن سيطرة البشر. في مقابلة صحفية، قال هينتون: “القلق الأكبر هو أن الذكاء الاصطناعي قد يصل إلى مرحلة يصعب فيها تفسير أو مراقبة قراراته، ما يجعله خطرًا كبيرًا إذا تم استخدامه بشكل غير مدروس.”
هل يشكل هذا تهديدًا؟
قد يُثير هذا الغموض تساؤلات مشروعة حول مدى أمان استخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل. إذا كانت الأنظمة الذكية يمكنها اتخاذ قرارات دون أن نفهم تمامًا كيفية وصولها إلى هذه القرارات، فكيف يمكننا ضمان أنها تتخذ الخيارات الصحيحة؟ وهل ستكون هناك مخاطر في اعتماد هذه الأنظمة بشكل كامل في مجالات مثل الرعاية الصحية، القيادة الذاتية، أو حتى في الأمن القومي؟
بينما يواصل الباحثون في الذكاء الاصطناعي تطوير تقنيات جديدة لمعالجة هذه المشكلة، يبقى هناك تحدي كبير في إيجاد طرق لفهم وضمان الشفافية في كيفية اتخاذ الأنظمة الذكية لقراراتها. قد يكون الحل في تطوير خوارزميات تتيح “تفسير” أو “شرح” قرارات الذكاء الاصطناعي، وهو مجال متطور في أبحاث الذكاء الاصطناعي يسمى “التعلم القابل للتفسير” (Explainable AI).
في الختام
رغم كل الفوائد التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، من الواضح أننا لا نعرف كل شيء عن كيفية عمله. هذا الغموض يدفعنا إلى التفكير بعمق في كيفية استخدام هذه التكنولوجيا بشكل آمن ومسؤول. كما أشار جيفري هينتون، يجب أن نكون حذرين في تطوير هذه التقنيات، حيث إن السرعة التي يتطور بها الذكاء الاصطناعي قد تجعلنا في وقت ما أمام تحديات قد تفوق قدرتنا على التحكم فيها. المستقبل سيكون مليئًا بالتحديات والفرص، ولكن من الضروري أن نواصل فهم كيف يعمل الذكاء الاصطناعي وأن نضع إطارًا قانونيًا وأخلاقيًا يضمن عدم تعرض البشرية لأي مخاطر نتيجة لهذا الغموض.