شهدت سوريا طوال السنوات الماضية تحولات كبيرة، سواء على مستوى الصراع الداخلي أو على الصعيد الإقليمي والدولي. منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، دخلت القوى الإقليمية والدولية في صراع على النفوذ داخل سوريا، وأصبح الوضع في البلاد نقطة تجاذب بين أطراف مختلفة، أبرزها تركيا والدول العربية، فضلاً عن تأثيرات القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا. في هذا المقال، سنناقش أسئلة هامة حول مستقبل سوريا: هل تبلع تركيا سوريا أم أن الدول العربية ستستعيدها؟ ولماذا رفض ترامب إلغاء تصنيف “الإرهاب” عن هيئة تحرير الشام؟

هل تبلع تركيا سوريا؟

لطالما كان لتركيا دور كبير في الأحداث السورية منذ بداية الصراع. ففي بداية الثورة، دعمت تركيا المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، ورأت في إسقاطه فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة. ومع تطور الوضع، وخاصة مع ظهور تنظيمات إسلامية مسلحة مثل تنظيم داعش، أصبح لتركيا تدخل عسكري مباشر في سوريا. بدأت تركيا في عام 2016 عمليتها العسكرية الكبرى “درع الفرات”، التي كانت تهدف إلى طرد داعش ووحدات حماية الشعب الكردية (YPG) المدعومة من الولايات المتحدة من المناطق الحدودية السورية.

لكن على الرغم من ذلك، لا يبدو أن تركيا تسعى إلى “ابتلاع” سوريا بالكامل. فتركيا كانت تسعى إلى تأمين حدودها الجنوبية، وفرض منطقة آمنة لمواجهة التهديدات الكردية التي ترى أنها تهدد وحدتها الإقليمية. في الوقت ذاته، كانت تركيا تحاول تعزيز وجودها في الشمال السوري من خلال دعم المعارضة المسلحة وإنشاء مناطق نفوذ في بعض المدن والبلدات.

ومع ذلك، لا تزال تركيا بحاجة إلى التعاون مع العديد من الأطراف الدولية لضمان استقرار الوضع في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا، وقد تجنب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السعي إلى السيطرة الكاملة على الأراضي السورية بسبب الاعتبارات الدولية، فضلاً عن التوازنات الإقليمية التي تتطلب حذرًا كبيرًا في التعاطي مع الملف السوري.

هل تستعيد الدول العربية سوريا؟

في المقابل، هناك جانب آخر من القصة يتعلق بالدور المحتمل للدول العربية في سوريا بعد سنوات من انقطاع العلاقات الدبلوماسية. في عام 2011، اتخذت جامعة الدول العربية قرارًا بتعليق عضوية سوريا بسبب قمع نظام الأسد للاحتجاجات السلمية، مما ألقى بظلاله على علاقات دمشق مع معظم الدول العربية. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت بعض الدول العربية تُظهر استعدادًا لإعادة العلاقات مع سوريا.

في عام 2018، قررت دولة الإمارات العربية المتحدة إعادة فتح سفارتها في دمشق، تلتها عدة دول عربية أخرى مثل البحرين والسعودية التي بدأت في إعادة النظر في سياستها تجاه سوريا. هذه التطورات تشير إلى احتمال استعادة بعض الدول العربية لدورها في سوريا في المستقبل القريب، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية وتحولات العلاقات بين الدول العربية وتركيا من جهة، وبين الدول العربية وإيران من جهة أخرى.

لكن استعادة سوريا إلى الحظيرة العربية لن يكون بالأمر السهل، فهناك عدة تحديات، منها التوترات مع النظام السوري وحليفته إيران، التي تتمتع بنفوذ قوي في العديد من المجالات السورية. قد تتطلب عودة سوريا إلى الجامعة العربية إعادة النظر في السياسات الداخلية والخارجية للدول العربية نفسها، خصوصاً في ما يتعلق بمواقفها من الصراع السوري ودعم النظام أو المعارضة.

لماذا رفض ترامب إلغاء تصنيف “الإرهاب” عن هيئة تحرير الشام؟

أحد الجوانب المهمة في الوضع السوري يتعلق بتصنيف “الإرهاب” لبعض الجماعات التي نشأت في إطار الصراع. في هذا السياق، تبرز هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) التي تعد واحدة من أبرز الجماعات الجهادية في سوريا. طوال سنوات الحرب، كانت الهيئة قد أثارت العديد من التساؤلات حول علاقتها بتنظيم القاعدة وقدرتها على التأثير في المعركة ضد النظام السوري.

في 2018، كان هناك نقاش حول إمكانية إلغاء تصنيف “الإرهاب” عن هيئة تحرير الشام، بعد أن أظهرت الهيئة تحولات في مواقفها التكتيكية، وأعلنت عن رغبتها في الانفصال عن تنظيم القاعدة، في محاولة للحصول على قبول دولي أكبر. وفي الوقت الذي رحبت بعض الأطراف بهذا التوجه، رفضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إزالة هذا التصنيف عن الهيئة.

السبب الرئيسي وراء هذا الرفض يعود إلى استمرار الهيئة في استخدام أساليب عنيفة وأيديولوجية جهادية متطرفة، بالإضافة إلى الروابط التاريخية مع تنظيم القاعدة. الولايات المتحدة كانت تدرك أن أي تغيير في موقفها تجاه هذه الجماعة قد يُنظر إليه على أنه اعتراف ضمني بشرعية الجماعة المسلحة، وهو ما من شأنه أن يُقوض الحرب العالمية ضد الإرهاب التي تقودها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة.

إضافة إلى ذلك، كانت هيئة تحرير الشام تسيطر على مناطق استراتيجية في شمال غرب سوريا، وهي مناطق تشهد صراعات مستمرة مع قوات النظام السوري، مما يجعل أي تحرك دبلوماسي دولي تجاه الجماعة محل نظر دقيق من قبل القوى الكبرى التي تدير مواقفها بناء على موازين القوى على الأرض.

خاتمة

إن المستقبل السوري يبقى غير واضح، وسط تدخلات متعددة من قوى إقليمية ودولية. تركيا، رغم سيطرتها على أجزاء من الشمال السوري، لا تسعى إلى “ابتلاع” سوريا بشكل كامل، بل تركز على ضمان أمنها القومي. من جانب آخر، تسعى الدول العربية إلى استعادة دورها في سوريا، في ظل تحول السياسات الإقليمية. أما رفض ترامب إلغاء تصنيف “الإرهاب” عن هيئة تحرير الشام، فإنه يعكس استمرار التحديات في التعامل مع الجماعات الجهادية التي تأثرت بشكل كبير بالحرب السورية.

إن أي حل سياسي مستدام في سوريا يتطلب التوازن بين المصالح الإقليمية والدولية، وتوافق الأطراف الفاعلة حول مستقبل البلاد، مما يجعل المستقبل السوري مليئًا بالتحديات والتقلبات.

سهم:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *